بدأ عصرُ ناطحات السَّحابِ في العاصمة الرِّياض في شهر ايَّار- مايو 2000م، حين تمَّ افتتاح برج الفيصل من أعلى المنشآت في العالم بارتفاع 267م، وهو أعلى من أي مبنىً في أوروبَّا. وبرج الفيصل عبارة عن تكنولوجيا عاليةً جدًّا لكنَّهُ بُني في مجتمعٍ مُحافظ.
شُرع في البناء في شهرِ نيسان أبريل عامَ 1997م، يزنُ البرجُ عشرةَ ألآف وخمسمائةِ طن. قام بتصميمه المعماري البريطاني الذي قرأنا عنهُ أيَّام الجامعة المعماري (نورمان فوستر).
كان لا بُدَّ من وجودِ مصدرٍ ليدرَّ بالمال للتعويض عن الملايين التي أنفقت على هذا البرج، مع العلم أنَّ جميع الأرباح الخاصَّة بالبرج يعودُ ريعها إلى مؤسَّسة الملك فيصل الخيرية، وللقيام بهذا سيكون هناكَ فندقٌ فاخر في البرج الرئيسي، ومساحاتٌ شاسعةٌ من المكاتبِ الباهظةِ الثمن، وعلى الطرفِ الآخر مركزٌ تجاريٌ ضخم.
تُؤثِّرُ الحضارةُ السعوديةُ على الفيصلية من الداخلِ إلى الخارج. وفي الوقتِ الذي كان فيه (نورمان فوستر) يُصمِّمُ الخطوطَ الخارجية لإعطاء البرجِ الشكلَ الإسلاميَّ الحديث، كان البناء يحتوي على مساحاتٍ لا تحتاجُ إليها إلاَّ في ناطحاتِ سحابٍ سعودية.
أسفل البرج وعلى امتدادِ مساحةِ العشبِ توجد أطول القناطر التي بُنيت على الإطلاق، يصل طولها إلى عرضِ ملعبِ كُرةِ قدم من دونِ وجودِ أيَّ عمودٍ يدعمُها وتحديداً بمساحةِ ثمانين متراً في خمسةٍ وستين متر، أشرفَ على بنائها المهندس (إدي باغ)، وتتسع إلى أربعةِ ألآفِ شخص. وتُستعمل لأغراضٍ تقليدية لإقامةِ حفلاتِ الأعراس. والهدف من تصميم محيط القاعة بهذا الشكل هو إطعام 2500 شخص وهم جالسون.
نُفِّذتْ هذهِ القاعة بدون استعمال الباطون المسلح، فالقاعة معلَّقةٌ بأقواسٍ معدنيةٍ مُنحنية، هذهِ الأقواس تحتوي بداخلها على ضغطٍ كبير تدفعُ على الجوانب، وقواعدُ هذهِ الأقواس مُتشابكة داخلَ الأرض بواسطةِ قضبانٍ حديدية كثيرة.
التحديات التي واجهت هذا البناء لم تكن ثقافيةً فقط، بل تحديات تقنيةً أيضاً، حيثُ بدأ التخطيط لهذا البرج عام 1992م وكان يتطلب بناؤهُ مواجهةَ ظر
وفٍ بيئيةٍ قاسية، مما حدى بالمصمِّمين إلى اختبارِ البناء إلى أقصى الحدود، فالرياض تقعُ في قلبِ الصحراءِ العربيةِ بعيدةً مئاتِ الأميالِ عن البحرِ، وتتبخَّرُ المياهُ السطحيةُ تحت درجةِ حرارةِ خمسين درجةً مئوية، وعندما تصل الأمطار تصلُ بشكلِ عواصفَ عنيفة وغالباً ما تصحبُ معها حبَّاتِ البردِ الضخمة، فلكي يصمد بناءٌ مكسو بواجهة زجاجية في ظروفٍ بيئية كهذهِ فإنَّهُ من الضروري اختبار كل شيءٍ في البناءِ إلى أقصى حدودهِ. من صفائحِ الألومينيوم في الخارجِ ولغايةِ الباطون المسلَّح في الداخل إلى الصخرةِ التي سيُبنى عليها البرج، فالرياض تستقرُّ على الرَّملِ والأحجارِ الكلسية المليئةِ بالفجواتِ والتشققات، ولم يُحاول أحدٌ من قبل أن يضع وزنًا كوزن البرج على هكذا أرضية، لذا لم يكن هناكَ أدنى فكرة عمَّا إذا كانت هذهِ الصخرة ستتحملُ كل هذا الضغط أم لا كان هناك وسيلةٌ واحدةٌ للمعرفة، وهي سحقُ الصخرة، وقد أظهرت التجارب المستمرة أنَّ الصخرة ستتحملُ وزن البرج، ولكن ظهرت مشاكل سياسية أخرى واجهها الأمير بندر من أجلِ الحصول على ترخيصِ بناءِ هذا المشروع، فمثلاً نصَّت مواصفات البناء في الرياض، على عدمِ قانونية أي مبنىً يرتفعُ أكثر من 30 طبقة ويُستخدمُ للمكاتب، وللتحايلِ على هذا القانون تمَّ إضافةِ طبقات أخرى لا تُستعملُ كمساحاتٍ للمكاتب لكنَّها أضافت مزيداً من الإرتفاع فتمَّ إضافة المطعم وطبقاتِ التحويل وصالة مرتفعةٌ جدًا كلها زادت الإرتفاع. وقد أخذت الاختبارات والموافقة على التصاميم والحصول على التراخيص سنتين بعد عام 1995م.
حفرت فُتحةٌ ضخمةٌ تميهداً لبناءِ القاعدة، كان الأسمنت قد ضُخَّ إلى الصخرةِ الكلسية المُتشقِّقة بواسطةِ ضغطٍ مرتفعٍ لتقويتها، تطلب بناء القاعدة التي بلغ إرتفاعها أربعة أمتار ستةَ ألافِ مترٍ مكعبٍّ من الباطون.
احتاج البناء لأكثر من خمسةِ ألافِ رجل من بلادٍ مثلَ باكستان ومصر، ويتقاضى هؤلاء العمال خمسة وعشرين باونداً في الأسبوع.
مباني الخرسانة المسلحة الشاهقة تطلب مهندسين إنشائيين لتوفيرِ حلول جديدة لمشاكلَ قديمة، أهمُّ هذهِ الحلول هو كيفية جعلها تقاوم عدو ناطحات السحاب الأول، الرياح. فالرياح القويةُ على ارتفاعاتٍ شاهقة تضعُ ناطحاتِ السحاب تحت ضغطٍ أفقي وهو ما يُسمَّى (ثقل الرياح). وبالطبع الجزء الذي سيتعرَّض لثقل الرياح في برج الفيصل هو القمَّة وهو ما يسمَّى (النبراس)، والنبراس مغلَّفٌ كليًّا بالزجاج وتأخذ شكل الماسَّة وتستوعب ضغط الهواء كلهُ، في الأيام العادية يُمكن أن تتحركَ بضعةَ سنتميترات، إنَّما بضغطٍ كامل من الهواءِ على النبراسِ المغلَّفِ بالزجاج يُمكنها أن تتحركَ ثلاث أو أربع سنتميترات.
تمَّ زيادة قوَّة المبنى في قابليتهِ لزيادةِ مقاومة ثقل الرياح الجانبية، فاضطر المهندسون إلى تدعيم العمق الإسمنتي من خلال جعل جدرانه أكثر سماكة لتفادي كارثة ممكنة، لكن في حين أنَّ الشكل المتناقصَ تدريجياً والقمَّةَ الحديدية، تساعدان البرج على مواجهةِ ضغط الرياح فإنَّها تساعدهُ أكثر على تحملِ وزنهِ الخاص.
سوف يستقر عند القاعدة مائةٌ وخمسون ألف طنٍّ من الأوزان أي ما يُعادل وزن ثلاثين ألف سيارة! سيكون هذا ثقيلاً جداً على الركيزة وحدها من دون توزيع الوزن على كلِّ جوانبِ المبنى، إضافةً إلى الدعامات الإسمنتية المائلة التي تُعرفُ بدعائمِ (K) فإنَّه لهذه الدعاماتِ تأثيرٌ جانبي فهي تقلِّلٌ من الحاجةِ إلى وضعِ أعمدةٍ على الجوانبِ والتي قد تحجبُ الرؤية، ويعني استعمال دعائم (K) الضخمة على الإرتفاعاتِ لتحويل الأثقال إلى الأعمدة
0 comments:
Post a Comment